المحور الثاني : تونس من نهاية الحرب العالمية الاولى الى نهاية الحرب
العالمية الثانية .
الدرس الثاني : تـــونــس في الثـــلاثـــيــنــات
مقدمة : سجلت الحركة الوطنية التونسية في ثلاثينات القرن الماضي تطورا هاما في برامجها وتنظيماتها تحت تأثير مجمـــــوعة من العوامل الداخلية والخـــارجية ، تولدت جوهريا عن أزمة الثــــلاثينات الاقتصـــادية العالمية، و عن إمعان سلطات الحماية في تحدي مشاعر التونسيين أدى ذلك إلى احتداد التناقضات الاقتصـــــادية والاجتمـاعية و السياسية بين التونسيين و الفرنسيين .
فما هي ملامح الظرفية التي ميزت الثلاثينات ؟
و ما هي مظاهر تطور الحركة الوطنية التونسية في هذه العشرية
اضغط هنا لتحميل كامل الدرس بضيغة pdf.
ظروف تطور الحركة الوطنية في الثلاثينات./ I
1 / أزمة الثلاثينات الاقتصادية و أثرها غلى المجتمع التونسي:
أ / مظاهر الأزمة :
تميزت هذه العشرية بانعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية و عمق أثرها على
المجتمع التونسي مع تفاقم تحديات السياسة الاستعمارية بتونس.
حيث شهدت تونس أزمة مزدوجة:
* أزمة تقليدية : اندلعت في مستهل الثلاثينات ( 1930 / 1932
)، و ارتبطت بعوامل طبيعية كالجفاف الذي ضرب وسط و جنوب البلاد خلال موسم 1930 /
1931،ثم انتشار الجراد في شهر مارس من سنة 1932.
← تدهور الإنتاج
الفلاحي و ارتفاع أسعار المواد الأساسية
* أزمة عصرية : وهي من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ، انطلقت في
صيف 1932 و تواصلت طيلة الثلاثينات من تجلياتها : تدهور قطاعي الفلاحة
والمناجم = عماد الاقتصاد التونسي ـ= بسبب تراكم الإنتاج و انحسار الأسواق
الخارجية .
و من مؤشرات الازمة : انهيار حاد في أسعار بيع المواد الفلاحية و
المنجمية إلى ما دون سعر التكلفة أحيانا كما هو الحال بالنسبة للفسفاط .
ارتبط انخفاض الأسعار شدة المنافسة الأجنبية . و بينما سجلت الأزمة
الاقتصــــــادية العــــــالمية انفراجا سنة 1936( النيوديل)، لم تتحسن الحالة
الاقتصــــادية بتونس بسبب ارتباط سوقها،هيكليا، بالسوق الفرنسية في إطار الوحدة
الجمركية و تواصل اغراق فرنسا للسوق التونسية بالبضاعة الفرنسية على حساب الحرفيين
و التجار التونسيين.
ب / انعكاسات الأزمة:
أثرت الأزمة في مكونات المجتمع التونسي كلها :
* بالنسبة لفئات المجتمع التونسي:
هددت المجـــاعة الفئات الكادحة ( صغار الفلاحين و الخمــاسة و العمــال )
و تفشت الأوبئة في مناطق عديدة من البلاد ، فاستفحلت البطالة ( 35 ألف عاطل في
مدينة تونس سنة 1935 ) .
حيث شملت :
- صغار الفلاحين : بعد التفريط في ملكياتهم
لفائدة المرابين و البنوك .
- صغار التجار : الذين أعلنوا إفلاسهم ، و مثلوا
½ العاطلين .
- العمال : خاصة في المناجم ، و الذين تراجع
عددهم بمقدار الـ 2⁄3 بين 1930 و 1935 .
← نتيجة لذلك، استفحلت
ظاهرة النزوح و ظهـــرت أولى الأحياء القصديرية حول العاصمة ، و انتشر البؤس و
عمليات نهب المخازن و احتجاجات “الشواشين” أمام الإقامة العامة.
و لم تمثل “ الملاجئ ” ( التكية ) و استيراد الأرز حلولا كفيلة لوضع حد
لهذا البؤس
* بالنسبة للفرنسيين
المقيمين بتونس :
كسدت أعمالهم و ازداد تشبثهم بامتيازاتهم ، و انشغلت سلطات الحماية
بمســــــاعدة المعمرين و أهملت مصالح التونسيين بما في ذلك المستفيدين من النظام
الاستعماري، فكانت بداية تزعزع أركان هذا النظام.
2/ تحدي السلطات الاستعمارية
لمشاعر التونسيين :
أ / المؤتمر الأفخرستي ، ماي 1930 :
هو تظاهرة دينية مسيحية، نظمتها الكنيسة الكاثوليكية بقرطاج، بمساعدة سلطات
الاستعمار خلال شهر ماي 1930، تخللها استعراض نظمه الشبان المسيحيون و قدماء ”
الرهبان ” الذين شاركــوا في الحـــرب العالمية الأولى .
تصدت النخبة الوطنية التــونسية لهذه التظاهرة عن طريق المقالات الصحفية ،
معتبرة إياها “ استفزازا ” للمشاعر الدينية للتونسيين المسلمين و محاولة “ لتنصير
” البلاد، و تعبيرا عن تناقض السياسة الفرنسية القائمة على المبادئ اللائكية .
شمل رد فعل الفئات الشعبية إضراب عمال الرصيف بتونس و بنزرت و الشباب
التلمذي “ الصادقي ” و الطلابي “
الزيتوني"
ب / الاحتفال بخمسينية الحماية :
نظمته سلطات الحمـــاية لإبراز “ الإنجــازات الحضارية ” التي حققتها فرنسا
بتـــونس خلال 50 سنة من الاستعمار.
و لإنجاحه، اقتطعت فرنسا 300 مليون فرنك من ميزانية الدولة التونسية.
نددت الصحف التونسية بهذا الاحتفال مفندة الإدعاءات الفرنسية حول “الرسالة
الحضارية للاستعمار” و مستنكرة استغلال الميزانية التونسية و دعت لمقاطعته.
ردت سلطات الحماية بتعطيل نشر جريدتي “ النهضة ” و “ الوزير”،
و بتتبع هيئة تحرير جريدة “ صوت التونسي” قضائيا.
فاضرب التجار في تونس العاصمة، و انتظم تجمع شعبي أمام قصر العدالة في 9
جوان 1931 احتجاجا على ذلك القرار، فتم إخلاء سبيل المعتقلين ، مما أكد نجاعة
تشريك القوى الشعبية في النضال الوطني.
ج/ قضية “ دفن المجنسين من التونسيين في مقابر المسلمين ” :
تعـــــود هذه القضية إلى سن سلطات الحمــاية لقانــون “ التجنيس ”
الذي يفتح باب الجنسية الفـــرنسية للتونسيين، و الذي صدر في 20 ديسمبر 1923. بدأت القضية برفض
أهالي بنزرت دفن أحد المجنسين في المقابر الإسلامية يوم 31 ديسمبر 1931. ساندهم في
ذلك مفتي المدينة “ الشيخ إدريس ” الذي اعتبر المجنس مرتدا
امتدت الاحتجاجات إلى مدن الساحل و تونس العاصمة بمشــاركة فئات واسعة، و
أثارت هذه القضية ردود فعل متباينة:
- فبينما اعتبر المجلس الشرعي، بفرعيه: المالكي
و الحنفي،عبر فتوى اصدرها أن التجنيس لا
يؤدي إلى الردة عن الإسلام.
-عارض الرأى العام التونسي التجنيس و على رأسهم
جماعة صحيفة "العمل التونسي"
الذين نجحوا في تعبئة الرأي العام الذي رفض هذه
الفتوى(تدعم موقفهم خاصة بعد انضمامهم الى الجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري)
اعتبرت أن التجنيس يهدف إلى محـــو الشخصية التونسية و نددت بموقف المجلس الشرعي من
التجنيس فتقلص عـــدد المجنسين.كما رفض السكان المسلمون بشدة دفن المتجنسين في
مقابرهم فاضطرت سلطات
الحمـاية إلى تخصيص مقابر للمجنسين .
3 / تكثف النشاط الثقافي و الجمعياتي و الصحفي :
أ- في مجال الصحافة :
تحدى الوطنيون “ القرارات الاستثنائية ” المحددة و المكبلة للحريات العامة الصادرة منذ 1926، فأصدروا صحفا
ناطقة بالفــــرنسية بأسلوب و مضمــون جديدين و تبنت التحركات الشعبية و دافعت على
الشخصية التونسية :
- جريدة “ صوت التونسي ” .
- جريدة “ العمل التونسي ” : التي بدأ
إصدارها في غــــرة نوفمبر 1932، أسسها جيل من الشبــان التونسيين عرفوا بـ “ جماعة
العمل التونسي ” ممن أتموا دراستهم الجامعية بفرنسا و تشبعوا بمبادئ الثورة
الفرنسية ( الحرية و المساواة و سيادة
الشعب ) ، يدفعهم إيمانهم بأن أنجع طرق الكفاح هي الاعتمــاد على الجماهير الشعبية
.
من بينهم : * الأخوين : محمود و الحبيب بورقيبة , محمود الماطري :طبيب,
والطاهر صفر : المحامي.
ب / في مجال الأدب و الفكر :
تكونت في تونس الثلاثينات، حركة أدبية و فكرية نشيطة من خلال :
* بروز تيار فكري إصلاحي :
جسدته كتابات “ الطاهر الحداد ” ( 1901 – 1936 ) حول:
- ضرورة تحسين ظروف عيش الطبقة العاملة التونسية
.
- تحرير المرأة و إصلاح التعليم ( امرأتنا في
الشريعة و المجتمع الصادر في 1927 ).
* بروز تيار أدبي و شعري مجدد : جسده :
شاعر الثورة و الشباب : أبو القاسم الشابي صاحب ديوان “ أغاني
الحياة ”.
* بروز تيار نثري مجدد : مثلته “ جماعة
مقهى تحت السور ” من أهم رواد هذه الحركة : علي الدوعاجي ، محمود بيرم التونسي ، عبد العزيز
العروي ..
ج / على صعيد العمل الجمعياتي :
شمل النسيج الجمعياتي 94 جمعية سنة 1937، نشطت في مختلف المجالات .
* في المجال الشبابي :
- جمعية “ طلبة شمال
إفريقيا المسلمين ” تكون أول فرع لها في تونس سنة 1930.
- “ الشبيبة
المدرسية ” في أفريل 1932 .
* في المجال الثقافي : تم إحياء :
- “ الجمعية
الخلدونية ” التي تأسست سنة 1896 .
- “ قدماء الصادقية ”
التي تأسست في ديسمبر 1905 .
* في المجال الفني : تم بعث :
- “ معهد الرشيدية ”
سنة 1934 .
- عدد كبير من الفرق
المسرحية، مثل “الإتحاد المسرحي” في 1936.
تطور الحركة الوطنية في الثلاثينات./ II
1/إنتعاشة العمل الوطني و انعقاد مؤتمر نهج الجبل ماي 1933:
انعقد المؤتمر الثاني
للحزب الحر الدستوري التونسي بمقره في " نهج الجبل" يومي 12 و13 ماي
1933 وقد عكست جلسات هذا المؤتمر الروح الجديدة التي بدأت تدب في صفوف قيادة الحزب
الحر الدستوري والحركة الوطنية عموما:
*على مستوى الهيكلة :
حيث أفرز المؤتمر قيادة جديدة عرفت بـ “ اللجنة التنفيذية ”، ضمت
أسماء من الجيل المؤسس مثل :
أحمد الصافي و صالح فرحات و الطيب الجميل و محي الدين القليبي .
و جيلا جديدا من الشباب المتحمس تمثله جماعة “العمل التونسي”
من أمثال محمود الماطري و الأخوين الحبيب و محمود بورقيبة و الطاهر صفر و البحري
قيقة .
* على مستوى البرنامج السياسي :
تم تعديل برنامج الحزب الذي إقر في العشرينات، و انتقل للمطالبة بـ
:
- تشريك التونسيين في إدارة الشأن العام للبلاد
.
- العمل على تحرير الشعب التونسي .
- الحصول على دستور يصون الشخصية التونسية .
- التأكيد على سيادة الشعب من خلال “ برلمان
تونسي ” و حكومة تونسية مسؤولة أمامه .
- الفصل بين السلط .
- توحيد العدالة التونسية .
- إقرار جميع الحريات .
- فرض إجبارية التعليم .
كان رد سلطات الحماية سريعا و عنيفا ، إذ عطلت جميع الصحف في 27 ماي
1933 وأصدرت قرارا بحل الحزب في 31 ماي 1933 .
و لم يدم توحد القوى الوطنية
طويلا، إذ دب خلاف داخل قيادة الحزب الحر الدستوري :
* قدماء الدستوريين :
دعوا إلى تهدئة الأوضاع و التريث .
* أما النخبة الشابة :
فدعت إلى تصعيد النضال بالاعتماد على كل القوى الشعبية .
← أدى تباين
الآراء إلى الدعوة لانعقاد مؤتمر استثنائي
بمدينة قصر هلال يوم 2 مارس 1934
بطلب من الدستوريين الجدد دون موافقة القادة القدامى .
2 / تأسيس الحزب الحر
الدستوري الجديد و نشاطه، 1934- 1936
-
بعد انعقاد مؤتمر نهج الجبل طفت على السطح
بوادر الانشقاق داخل قيادة الحزب بين الأعضاء القدامى ( أحمد الصافي,صالح
فرحات,محي الدين القليبي) الذين طالبوا بتجنب المواجهة ودعوا إلى التريث وتهدئة
الوضع وجماعة "العمل التونسي" الذين دعوا إلى تشريك الجماهير في النضال
وضرورة تصعيده للضغط على فرنسا رغم اتفاق الطرفين على برنامج 1933 (مقررات مؤتمر
نهج الجبل) وعندما تعذر الوفاق بين الجماعتين غادرت الجماعةالجديدة اللجنة
التنفيذية وأصبحت تطالب بعقد مؤتمر استثنائي للحزب لحسم الخلاف.
وهكذا انعقد مؤتمر قصر هلال يوم 2 مارس 1934
بحضور 43 شعبة دستورية
انبثقت عن هذا المؤتمر لائحة وحيدة
وضحت أسباب الخلاف مع “ اللجنة التنفيذية ” و أعلن المؤتمـــر حلها و طرد أعضائها
من الحزب .
فتشكلت قيادة جديدة للحزب تحت اسم “ الديوان السياسي ” ضمت جماعة “ العمل ”
:
- محمود الماطري رئيسا . – الحبيب بورقيبة:
كاتبا عاما. – الطاهر صفر: كاهية الكاتب العام .
- محمود بورقيبة : أمين مال . – البحري قيقة :
مساعد أمين مال .
كان من الطبيعي أن يرفض أعضاء “ اللجنة التنفيذية ” هذه القرارات، فتواصل
نشاط الحزب القديم إلى جانب الحزب الجديد و أصبح لكل منهما صحيفة :
- “ العمل ” بالنسبة للجدد . - “ الإرادة ”
بالنسبة للقدامى .
و برز الخلاف بين الحزبين في أساليب النضال : حيث واصل الحــــزب القديم في
سياسة العمل النخبوي ، بينما اعتمد الحزب الجديد على العمل المباشر بتشريك القوى
الشعبية .
حاول عبد العزيز الثعالبي ، إثر عــــــودته من المشرق سنة 1937 توحيد
الحزبين لكنه فشل و اضطر إلى مسايرة رفاقه القدامى .
في سبيل إضعاف الحركة الوطنية ، فسح المقيم العام “فرانسوا مانصيرون”
المجال أمام جماعة “ العمل التونسي ” لإعلان الانشقاق عن “ اللجنة التنفيذية ” .
← انتزع الحزب الجديد
قيادة الحركة الوطنية، و تحول إلى أهم حزب سياسي تونسي في الثلاثينات، حيث نما عدد
شعبه من 50 سنة 1934 إلى 400 سنة 1938،و مر عدد منخرطيه إلى 28 ألف ¾ في الوسط و
الساحل ، مقابل 12 ألف منخرط في الحزب القديم.
لكن تغيرت سياسة فرنسا تجاه الحركة الوطنية بتعيين مقيم عام جديد هو :
“ ماسيل بايروطون ”
المعروف بتشدده في مواجهة الحركات الوطنية، حيث كان سكرتيرا عاما لحاكم الجزائر
قبل تعيينه في تونس .
بادر“بايروطون” في 3 سبتمبر 1934 إلى اعتقال 8 قياديين من الحزب الجديد
ونفيهم في الجنوب ب“برج لوبوف ”.
منهم 3 أعضاء من “ الديوان السياسي ” و هم محمود الماطري و الأخوين بورقيبة
.
و في 1 جانفي 1935 أصدر قرار يمنع نشاط الحزب و يعطل صحيفته و ينفي أعضاء
اخرين من بينهم : الطاهر صفر و البحري قيقة و صالح بن يوسف و بلقاسم القناوي .
رغم ذلك، فشل القمع “ البايروطوني
” و اختارت الحكومة الفرنسية سياسة الحوار خاصة بعد صعود “ الجبهة الشعبية ”
في فرنسا بعد انتخابات جوان 1936 .
3/إحياء جامعة عموم العملة و علاقتها بالحزب الدستوري الجديد
أ / ظروف نشأتها :
ارتبط مشروع إحياء “ جامعة عموم العملة التونسية ” في 1936 بالعوامل التالية
:
* تردي أوضاع الطبقة العمالية التونسية خلال
أزمة الثلاثينات الاقتصادية :
حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 100 ألف ، ثلثهم ( 1⁄3) في تونس العاصمة ،
إضافة إلى تفاقم التناقضات بين العمال الأهليين و الأجانب، فتولدت الحاجة إلى
تكوين منظمة نقابية تدافع على مصالح العمال التونسيين.
* صدور أمر علي من باي تونس يقر بحرية تأسيس عدة
نقابات أساسية :
حيث تم إقرار حرية تأسيس النقابات بأمر من الباي “ أحمد باي الثاني ” في 12
نوفمبر 1932.
يسر هذا الأمر تأسيس عدة نقابات أساسية و منظمات مهنية .
* انفراج الوضع العام
بحلول المقيم العام الجديد :
و هو “ أرمان قيون ” : 1936 / 1938 .
انتهج سياسة تحررية تأكدت مع وصول حكومة “الجبهة الشعبية” إلى الحكم في
فرنسا في جوان 1936،
و التي انبثقت عن تكتل “ أحزاب يسارية ” ( اشتراكيون و شيوعيون و
راديكاليون ) .
انعكست سيــــاسته إيجابيا على النشاط النقابي التـونسي ، فتم الإعــلان عن
إحياء جامعة عموم العملة التونسية .
ب / تأسيسها و نشاطها :
لم يتحمس الحزب الحر الدستوري الجديد في البداية لإحياء جامعة عموم العملة،
خشية تعطيل الحوار مع حكومة “ الجبهة الشعبية ”.
بدأ اهتمام الحـزب الجديد بالجامعة مع تولي “ بلقاسم القناوي ”
الكتـــــابة العامة لهيئتها الوقتية الثانية في مارس 1937 .
سيطر الدستوريون الجدد على المكتب التنفيذي للجامعة و المنبثق عن مؤتمرها
التأسيسي في 27 جوان 1937، و امتد تأثير الحزب إلى الهياكل القاعدية في جهات قفصة
و باجة و خاصة بنزرت، حيث جمع “ حسن النوري ” مثلا بين صفتيه : النقابية ككاتب عام
جامعة، و صفته الحزبية كرئيس شعبة دستـورية.
تزامن اهتمام الحــزب بالجـامعة مع فشل الحـوار مع حكومة الجبهة الشعبية فظهر
داخلها تصادم بين تصورين للعمل النقابي :
* تصور القيادة النقابية و على رأسها “ بلقاسم
القناوي ” : الذي تشبث بتصور حرفي للعمل النقابي البعيد عن تأثير أي حزب سياسي .
* تصور الديوان السياسي
للحزب الحر الدستوري الجديد : الذي يدعو إلى ضرورة التلاحم بين العمل النقابي و
الحزبي في إطار تكتل القوى الشعبية ضد الاستعمار.
أدى ذلك إلى توتر العلاقة بين القيادتين الحزببية و النقابية ، و من مظاهر
ذلك :
- قطع الجامعة لعلاقتها بالإتحاد المحلي ببنزرت في جويلية 1937 .
- رفض الجامعة المشاركة
في الاضراب الذي دعا اليه الحزب احتجاجا على القمع الاستعماري في الجزائر و
المغرب(20 نوفمبر 1937)
- تبرأ الجامعة من
أحداث بنزرت يوم 6 جانفي 1938 و التي أسفرت عن 6 قتلى تونسيين و جرح 20
-سعي الحزب الدستوري
الجديد إلى وضع يده على الجامعة أثناء انعقاد مؤتمرها في 29 جانفي 1938
عبر اقتحام مجموعة من الدستوريين قاعة المؤتمر يتقدمهم صالح بن يوسف و منجي
سليم والهادي نويرة
ما موقف سلطات الحماية من هذا الانشقاق في صفوف الحركة الوطنية؟
استغلت سلطات الحماية هذا الانشقاق لتضييق النشاط النقابي التونسي خاصة مع
اندلاع أحداث افريل 1938 .
4 / الحزب الدستوري الجديد و حكومة الجبهة الشعبية : 1936 / 1938 :
أ / تجربة الحوار مع حكومة “ الجبهة الشعبية ” :
أبدى الحزب اعتدالا في مطالبه التي أقرها في 10 جوان 1936 و قدمها إلى
المقيم العام .
ثم تولى وفد ضم “ الحبيب بورقيبة ” و الدكتور “ سليمان بن سليمان
” عرضها على عضو حكـــومة الجبهة الشعبية “ بيار فيينو ” أثناء
زيارته لتونس .
ألقى“ فيانو ” خطابا إذاعيا بتونس في 1 مارس 1937 بين فيه عيوب في
تسيير الشؤون الحكـــومية و الإدارية و وعد بإجراء بعض الإصلاحات السيــاسية و
الإقتصادية و الاجتمـــــــاعية تهدف لتوسيع مشاركة التونسيين لكن داخل نظام
الحماية
ب / فشل تجربة الحوار مع الجبهة الشعبية :
لم تجد الإصلاحات التي وعد بها مبعوث الجبهة الشعبية طريقها إلى التنفيذ .
إضافة إلى أنها أثارت غضب “المتفوقين” الفرنسيين من معمرين و أصحاب الشركات
و ضباط الجيش المناهضين “ لحكومة الجبهة
الشعبية ” في تونس .
فشنوا حملة صحفية ضد ممثلي حكومة الجبهة في تونس في وقت كانت فيه الشرطة ترسل تقارير تهول شعور المعمرين بانعدام الأمن بسبب التحركات الشعبية .
تعليقات
إرسال تعليق